لا يوجد توصيف واحد للماسونية، فاللغط وتضارب الآراء والتأويل، أول ما يلفت انتباه أي باحث. وذلك نظراً للسرية الكبيرة المحاطة بها. فكل ما يُكتب أو ينشر عنها، إما نتاج لأحكام مسبقة، وهي آراء بغالبها لا تستند إلى وقائع حقيقية بقدر ما هي فانتازيا الكتّاب أنفسهم.
حتى الكتب الموثقة من أصحاب الشأن والتجربة، تضيء على جانب من الحقيقة، كبير أو صغير، ولكن ليس كلها. قد يرجع ذلك إلى أن أصحاب تلك الكتب، لهم تجارب غير مكتملة في الحركة الماسونية. أو لأن طبيعة التدرج والانتقال بين درجات الماسونية، لا تتيح معرفة أسرار الدرجة الأعلى لمن هم في درجة أدنى، فكيف بالنسبة إلى أشخاص خارج هذه التجربة كلياً.. بالإضافة إلى أنه “لا ينبغي تسريب أسرار معينة. السر الحقيقي يكمن في تجربة الطقوس. وهذا هو السر المطلق الذي لا يمكن خيانته”
مازالت الماسونية، بالرغم من قدم نشأتها وسعة انتشارها عالمياً وتغلغلها في المجتمعات، منبوذة في بعض الدول، العربية والإسلامية تحديداً. ففي العام 1979 أصدرت الجامعة العربية قراراً يحمل الرقم 2309 يعتبر “الحركة الماسونية حركة صهيونية وهي تدعم إسرائيل ومجهودها الحربي”. كذلك اعتبرت لجنة الفتوى في الأزهر أن “المسلم لا يمكن أن يكون ماسونياً لأن ذلك يؤدي إلى انسلاخه تدريجياً عن دينه”.
ينقسم الرأي العام بشأن الحركة الماسونية بين مؤيد ومعارض لها؛ مؤيد يؤكد أنها حركة تهدف إلى تطوير المجتمعات والارتقاء بها، ومعارض يعتبر سرية هذه الحركة وغموضها دليل على أنها “خطيرة على المجتمعات” و”تعمل على تحقيق أهداف الصهيونية”.
تُعرّف الموسوعة البريطانية الحركة الماسونية بأنها “تعاليم وممارسات النظام الأخوي السري،للرجال فقط من الماسونيين الأحرار والمقبولين. هي أكبر جمعية سريّة في جميع أنحاء العالم. وانتشرت بفضل تقدم الإمبراطورية البريطانية، وظلت أكثر الجمعيات شعبية في الجزر البريطانية، وفي البلدان الأخرى التي كانت موجودة أصلاً داخل الإمبراطورية”.
كما يُعرّف قاموس Toupie الفرنسي الماسونية أنها: “في الأصل، كانت الماسونية أخوية دينية للبنائين الإنكليز في القرن الـ12. يعود اسمها وبعض استخداماتها إلى نقابات البنائين في العصور الوسطى. وأتت الأشكال الأخرى من طقوسها لاحقاً، من طقوس عبادة زرادشت. وظهرت الماسونية الحديثة في القرن الـ17 في بريطانيا العظمى، في اسكتلندا تحديداً، قبل أن تنتشر في أوروبا خلال القرن الـ18”.
يوجد في الماسونية 3 مراتب وهي: المبتدىء، والزميل أو المُرافِق، والخبير أو المعلم البنّاء.
من غير المعروف تحديداً شروط وكيفية الانتقال من مرتبة إلى أخرى. ما هو معروف طقوس قبول العضو كمبتدىء في أي محفل ماسوني.
من تلك الطقوس وضع عصابة على عيني العضو أثناء أدائه لليمين. ويفسر الماسونيون وضع عصابة، على أنها ترمز إلى الجهل أو الظلام الذي كان فيه الشخص قبل اكتشافه لحقيقة نفسه عن طريق الماسونية. وإن هذه العصابة سترفع عندما يصبح المبتدئ الذي أدى القسم مستعداً لاستقبال الضياء.
ليس هناك ما يشير إلى مؤسس الماسونية، ولا يوجد حتى الآن وثائق، قديمة أو جديدة، تتحدث عن شخص واحد مؤسس للماسونية، بما في ذلك الكتب والمراجع المتوفرة.
نشأة الماسونية
في نشأتها كما في توصيفها وتعريفها، لا يوجد كثير توافق. وهنا نعرض على القارىء بعض المراجع المعتمدة التي تتحدث عن النشأة وأسباب غياب أي توثيق لها.
من الروايات المعروفة عن نشأة الماسونية، يوردها الكاتب الماسوني “بات مورغان” في كتابه “أسرار الماسونيين الأحرار”، والكاتبان الماسونيان “جون هاميل” و”روبرت غيلبرت” في كتابهما الموسوعي “الحركة الماسونية: احتفال بالصنعة”. ويؤكدون أن الماسونية هي امتداد لتنظيم عسكري “منقرض” كان يعرف باسم “فرسان الهيكل” ظهر في نهاية الحملة الصليبية الأولى (1095-1099) على المشرق العربي.
“للمؤرخين في منشأ هذه الجمعية أقوال متضاربة، فمن قائل بحداثتها، فهي على قوله لم تدرك ما وراء القرن الثامن عشر بعد الميلاد، ومنهم من سار بها إلى ما وراء ذلك، فقال إنها نشأت من جمعية الصليب الوردي التي تأسست سنة 1616ب.م. ومنهم من أوصلها إلى الحروب الصليبية. وآخرون تتبعوها إلى أيام اليونان من الجيل الثامن قبل الميلاد، ومنهم من قال إنها نشأت في هيكل سليمان، وفئة تقول إن منشأ هذه الجمعية أقدم من ذلك كثيراً، فأوصلوها إلى الكهانة المصرية والهندية وغيرها. وبالغ آخرون في أن مؤسسها آدم، والأبلغ من ذلك قول بعضهم إن الله سبحانه وتعالى أسسها في جنة عدن، وإن الجنة كانت أول محفل ماسوني، وميخائيل رئيس الملائكة كان أول أستاذ أعظم فيه. إلى غير ذلك من الأقوال المبنية على مجرد الوهم”.
أما الموسوعة البريطانية فتُعيد “نشأة الماسونية إلى النقابات التي شكلها البناؤون عندما تولوا بناء القلاع والكاتدرائيات في العصور الوسطى. وعندما تراجع بناء الكاتدرائيات كثيراً، بدأت بعض محافل البنائين العاملين في قبول أعضاء فخريين، لوقف تراجع الإقبال على عضويتها، بسبب تراجع عمليات البناء، ومن هذه المحافل، نشأت الماسونية الحديثة الرمزية والنظرية، غير المرتبطة بحرفة البناء”.
لماذا السرية والغموض؟
موضوع السرية والغموض لا يقتصر على الحركة الماسونية ولم يبدأ معها، فالسرية من أساس عمل بعض الأحزاب والجمعيات حتى من قبل نشأة الماسونية. ويمتد هذا الأمر إلى بعض الطوائف الدينية التي حتى الآن من غير الممكن لمن هو خارج هذه الطوائف معرفة طقوسها وشعائرها، لا بل بعضها يحرّم على أبناء الطائفة نفسها، من غير الملتزمين دينياً، معرفة أسرارها.